ورقة 122, مولد يسوع وطفولته

   
   أرقام الفقرة: على | إيقاف
نص سهل الطباعةنص سهل الطباعة

كِتاب يورانشيا

ورقة 122

مولد يسوع وطفولته

122:0.1 (1344.1) لن يكون بالإمكان تقديم شرح كامل للأسباب العديدة التي أدَّت إلى اختيار فلسطين كأرض إغداق ميخائيل, ولا سيما فيما يتعلق بالضبط بالسبب الذي أوجب اختيار عائلة يوسف ومريم كالوسط المباشر من أجل ظهور ابن الله هذا على يورانشيا.

122:0.2 (1344.2) بعد دراسة التقرير الخاص عن أوضاع العوالم المفصولة الذي أعده الملكيصادقين, بالتشاور مع جبرائيل, اختار ميخائيل أخيراً يورانشيا كالكوكب الذي عليه سوف يشرع إغداقه النهائي. لاحقاً لهذا القرار, قام جبرائيل بزيارة شخصية إلى يورانشيا, وكنتيجة لدراسته للجماعات البشرية واستطلاعه للسمات الروحية, والفكرية, والعرقية, والجغرافية للعالَم وشعوبه, قرر بأن العبريين امتلكوا تلك المزايا النسبية التي استدعت اختيارهم كجنس الإغداق. بناءً على موافقة ميخائيل على هذا القرار, عيَّن جبرائيل وأرسل إلى يورانشيا اللجنة العائلية المكونة من اثني عشر ــ التي تم اختيارها من بين أعلى المراتب من شخصيات الكون ــ التي كانت مُستأمنة بمهمة إجراء تحقيق في حياة الأسرة اليهودية. عندما أنهت هذه اللجنة أشغالها, كان جبرائيل حاضراً على يورانشيا وتلقى التقرير الذي رشح ثلاث وحدات محتملة باعتبارها, في رأي اللجنة, مؤاتية بنفس القدر كعائلات إغداق من أجل تجسد ميخائيل المتوقع.

122:0.3 (1344.3) من بين الأزواج الثلاثة المُرشَحين, اختار جبرائيل شخصياً يوسف ومريم, حيث ظهر لاحقاً لمريم شخصياً, في الوقت الذي أبلغها البشائر السارة بأنها اُختيرت لتكون الأُم الأرضية لطفل الإغداق.

1. يوسف ومريم

122:1.1 (1344.4) كان يوسف الأب البشري ليسوع (يشوع بن يوسف), عبرانياً من العبريين, وإن كان يحمل العديد من السلالات العرقية غير اليهودية التي أضيفت إلى شجرة أجداده من وقت لآخر بواسطة الخطوط الأنثوية لأسلافه. يؤرخ أسلاف والد يسوع رجوعاً إلى أيام إبراهيم ومن خلال هذا البطريرك الموقر إلى خطوط الميراث الأبكر المؤدي إلى السومريين والنوديين, من خلال القبائل الجنوبية للإنسان الأزرق القديم, إلى أندون وفونتا. لم يكن داود وسليمان في خط مباشر لأسلاف يوسف, ولم يعود نسل يوسف مباشرة إلى آدم. كان أسلاف يوسف المباشرين من الميكانيكيين ــ بنائين, ونجارين, وحجارين, وحدادين. كان يوسف نفسه نجاراً وفيما بعد مقاولاً. كانت عائلته تنتمي إلى خط طويل ولامع من نبلاء عامة الشعب, والتي تميزت من وقت لآخر بظهور أفراد غير عاديين الذين تميَّزوا فيما يتعلق بتطور الدِين على يورانشيا.

122:1.2 (1345.1) كانت مريم, الأم الأرضية ليسوع, منحدرة من خط طويل من الأسلاف الفريدة التي تضم العديد من النساء الأكثر شهرة في تاريخ يورانشيا العرقي. مع أن مريم كانت امرأة عادية ليومها وجيلها, مالكة مزاجاً طبيعياً إلى حد ما, إلا أنها حسبت بين أسلافها نساء معروفات جيداً مثل عانون, وثامار, وراعوث, وبثشبع, وأنسي, وكِلوا, وحواء, وإنتا, وراطا. لم يكن لدى أي امرأة يهودية في ذلك اليوم سلالة أكثر امتيازاً لأسلافها المشتركين أو واحدة تعود إلى بدايات أكثر بَرَكة. تميز أسلاف مريم, مثل أسلاف يوسف, بسيطرة أفراد أقوياء إنما متوسطين, متحررين بين آن وآخر بالعديد من الشخصيات البارزة في مسيرة الحضارة والتطور التدريجي للدِين. من منظور عرقي, بالكاد يصح اعتبار مريم يهودية. في الحضارة والمعتقَد كانت يهودية, لكن في الهبة الوراثية كانت أكثر كمزيج من السلالات السورية, والحثية, والفينيقية, والمصرية, كان ميراثها العرقي أكثر عمومية من ذلك ليوسف.

122:1.3 (1345.2) من بين جميع الأزواج الذين سكنوا فلسطين حوالي وقت إغداق ميخائيل المُزمع, كان يوسف ومريم يمتلكان المزيج الأكثر مثاليةً من الروابط العرقية واسعة الانتشار ومتوسط فائق من هبات الشخصية. لقد كانت خطة ميخائيل أن يظهر على الأرض كإنسان عادي, بحيث يفهمه عامة الشعب ويستقبلونه؛ لأجل ذلك اختار جبرائيل بالضبط أشخاصاً مثل يوسف ومريم ليصبحا والدي الإغداق.

2. جبرائيل يظهر إلى أليصابات

122:2.1 (1345.3) بدأ عمل حياة يسوع على الأرض فعلاً بيوحنا المعمدان. انتمى زكريا, والد يوحنا, إلى الكهنوت اليهودي, بينما أُمه, أليصابات, كانت عضواً في الفرع الأكثر ازدهاراً لذات المجموعة العائلية الكبيرة التي انتمت إليها أيضاً مريم أُم يسوع. ورغم أن زكريا وأليصابات, كانا متزوجين لسنوات عديدة, لم يكن لهما أطفال.

122:2.2 (1345.4) لقد كان متأخراً في شهر يونيو عام 8 ق.م., بعد حوالي ثلاثة أشهر من زواج يوسف ومريم, عندما ظَهَر جبرائيل إلى أليصابات عند ظهيرة أحد الأيام, تماماً كما أعلن ظهوره فيما بعد إلى مريم. قال جبرائيل:

122:2.3 (1345.5) "بينما يقف زوجك, زكريا, أمام المذبح في أورشليم, وبينما يصَّلي الشعب المتجمع من أجل مجيء المُخَلص, أنا, جبرائيل, جئت لأعلن بأنكِ قريباً ستحملين ابناً وسيكون البشير لهذا المعلم الإلَهي, وستدعون إبنكم يوحنا. هو سينمو مكرساً للرب إلَهكم, وعندما سيكمل سنواته, سوف يُسِر قلبكِ لأنه سيُحول العديد من النفوس إلى الله, وسيُعلن أيضاً عن مجيء شافي نفوس شعبكِ ومحرر الروح للبشرية جمعاء. ستكون قريبتك مريم أُم هذا الطفل الموعود, وأنا سأظهر لها أيضاً".

122:2.4 (1345.6) أرعبت هذه الرؤية أليصابات بشدة. بعد رحيل جبرائيل قلبت هذه التجربة في عقلها, متمعنة ملياً في أقوال الزائر الجليل, لكنها لم تتكلم عن الوحي لأي شخص ما عدا زوجها حتى زيارتها اللاحقة مع مريم في أوائل شباط من العام التالي.

122:2.5 (1345.7) لخمسة أشهر, على كل, حجبت أليصابات سرها حتى عن زوجها. عند إفشائها لقصة زيارة جبرائيل, كان زكرياً مرتاباً للغاية ولأسابيع شكك في التجربة برمتها, ووافق فقط بقلب فاتر ان يؤمن بزيارة جبرائيل لزوجته عندما لم يعد يشك بأنها كانت تنتظر طفلاً. كان زكريا في حيرة شديدة فيما يتعلق بالأمومة المرتقبة لأليصابات, لكنه لم يشك في نزاهة زوجته, بالرغم من تقدمه في السن. لم يكن إلا حوالي ستة أسابيع قبل مولد يوحنا حينما زكريا, نتيجة لحُلم مؤثر, أصبح مقتنعاً تماماً بأن أليصابات ستصبح أماً لابن القَدَر, الذي كان عليه أن يمهد الطريق من أجل مجيء المسيح.

122:2.6 (1346.1) ظهر جبرائيل إلى مريم حوالي منتصف تشرين الثاني, عام 8 ق.م., بينما كانت تعمل في بيتها الناصري. لاحقًا, بعد أن عرفت مريم بدون شك بأنها ستصبح أُماً, أقنعت يوسف بالسماح لها برحلة إلى مدينة يهوذا, أربعة أميال إلى الغرب من أورشليم, في التلال, لزيارة أليصابات. كان جبرائيل قد أخبر كل من هاتين الأُمهات المرتقبات عن ظهوره إلى الأخرى. بطبيعة الحال كانتا مشتاقتين للالتقاء, ومقارنة التجارب, والتحدث عن المستقبل المُحتمل لأبنائهما. بقيت مريم مع نسيبتها البعيدة لمدة ثلاثة أسابيع. قامت أليصابات بالكثير لتقوية إيمان مريم في رؤيا جبرائيل, بحيث عادت إلى ديارها أكثر تكريساً إلى الدعوة لتكون أُم طفل القَدر الذي كانت لتُقـدم عن قريب إلى العالَم كطفل عاجز, طفل متوسط وعادي من الحيز.

122:2.7 (1346.2) وُلد يوحنا في مدينة يهوذا, 25 آذار عام 7 ق.م. ابتهج زكريا وأليصابات بشدة بإدراكهما أن ابنًا قد أتى إليهما كما وعد جبرائيل, وعندما قدموا الطفل في اليوم الثامن للختان, قاما رسمياً بتعميده بإسم يوحنا, كما تم توجيههما من قبل. كان ابن أخ لزكريا قد رحل تواً إلى الناصرة, حاملاً رسالة أليصابات إلى مريم معلنة بأن ابناً قد وُلد لها وبأن اسمه ليكون يوحنا.

122:2.8 (1346.3) منذ طفولته المبكرة طبع والدا يوحنا في بصيرته الفكرة بأنه سوف يكبر ليصبح قائداً روحياً ومعلماً دينياً. وكانت تربة قلب يوحنا متجاوبة دائماً لزرع مثل هذه البذور الإيحائية. حتى عندما كان طفلاً كان يُعثر عليه في كثير من الاًحيان في المعبد خلال مواسم خدمة والده, وكان متأثراً إلى حد كبير بأهمية كل ما رآه.

3. إعلان جبرائيل إلى مريم

122:3.1 (1346.4) في إحدى الأمسيات عند غروب الشمس, قبل أن يعود يوسف إلى البيت, ظهر جبرائيل إلى مريم بجانب طاولة حجرية منخفضة, وبعد أن استعادت رباطة جأشها, قال: "لقد جئت بأمر ممن هو سيدي والذي ستحبينه وتُربينه. إليك يا مريم, أُحضر بشائر مبهجة عندما أعلن بأن حملك قد عُّين من السماء, وأنه في الوقت المستحق ستصبحين أُماً لإبن؛ سوف تدعينه يشوع, وسيفتتح ملكوت السماء على الأرض وبين الناس. لا تتكلمي عن هذا الأمر إلا ليوسف وأليصابات, قريبتك, التي ظهرت أنا إليها أيضاً, والتي سوف تحمل حاليًا ابنًا أيضاً, الذي سيكون اسمه يوحنا, والذي سيمهد الطريق من أجل رسالة الخلاص التي سيعلنها ابنك إلى الناس بقدرة عظيمة وقناعة عميقة. ولا تشكي في كلمتي, يا مريم, لأن هذا البيت قد تم اختياره ليكون المسكن البشري لطفل القدر. بركتي عليكِ, وقدرة الأعلون ستقويكِ, ورب كل الأرض سوف يلقي بظلاله عليكِ.

122:3.2 (1346.5) تأملت مريم في هذه الزيارة سراً في قلبها لعدة أسابيع حتى عرفت بيقين بأنها حامل بطفل, قبل أن تجرؤ على إفشاء هذه الأحداث غير العادية لزوجها. عندما سمع يوسف بكل هذا, على الرغم من ثقته الكبيرة في مريم, إلا أنه كان منزعجاً جداً ولم يتمكن من النوم لعدة ليال. في البداية كان لدى يوسف شكوك حول زيارة جبرائيل. بعد ذاك عندما أصبح على وشك الاقتناع بأن مريم قد سمعت حقًا الصوت وشاهدت شكل الرسول الإلَهي, كان ممزقاً في عقله عندما يتأمل في كيف يمكن لتلك الأشياء أن تكون. كيف يمكن لذرية كائنات بشرية أن يكون ولد قدر إلَهي؟ لم يستطع يوسف أبداً التوفيق بين هذه الأفكار المتنازعة حتى, بعد عدة أسابيع من التفكير, كِلاهما هو ومريم وصَلا إلى استنتاج بأنهما قد تم اختيارهما ليكونا والدا المسيح, ولو إنه بالكاد كان المفهوم اليهودي بأن المُخَلص المتوقَع كان سيكون ذا طبيعة إلَهية. عند الوصول إلى هذا الاستنتاج الهام, سارعت مريم بالرحيل لزيارة أليصابات.

122:3.3 (1347.1) عند عودتها, ذهبت مريم لزيارة والديها, يواشيم وحَنه. كان شقيقاها الاثنان وشقيقاتها الاثنتان, بالإضافة إلى والديها, دائماً متشككين جداً بشأن مهمة يسوع الإلَهية, رغم أنهم, بالطبع, عند هذا الوقت لم يكونوا يعرفون شيئاً عن زيارة جبرائيل. لكن مريم أسَّرت إلى شقيقتها صالومي بأنها تعتقد أن ابنها مُقدَّر ليصبح معلماً عظيماً.

122:3.4 (1347.2) كان إعلان جبرائيل إلى مريم في اليوم التالي لحَمل يسوع وكان الحدث الوحيد لحادث فائق عن الطبيعي المتعلق بكامل تجربة حَمل وولادة طفل الوعد.

4. حُلم يوسف

122:4.1 (1347.3) لم يتصالح يوسف مع فكرة أن مريم كانت ستصبح أُماُ لطفل غير اعتيادي إلى أن اختبر حُلماً مؤثراً جداً. في هذا الحلم ظهر له رسول سماوي لامع, ومن بين أشياء أخرى, قال: "يوسف, أنا أظهر بأمر من يحكم الآن على العُلى, وأنا موَّجَه لإرشادك بشأن الابن الذي ستحمله مريم, والذي سيصبح نوراً عظيماً في العالَم. فيه ستكون حياة, وحياته ستصبح النور لجنس الإنسان. سيأتي أولاً إلى شعبه الخاص, لكنهم بالكاد سيقبلون به؛ لكن إلى الكثيرين الذين سيقبلون به إليهم سيكشف بأنهم أولاد الله. بعد هذه التجربة لم يشك يوسف أبداً مرة أخرى في قصة مريم عن زيارة جبرائيل والوعد بأن الطفل الذي لم يولد بعد كان ليصبح رسولاً إلَهياً إلى العالَم.

122:4.2 (1347.4) في كل هذه الزيارات لم يُذكر شيء عن بيت داود. لم يكن هناك أي تلميح على الإطلاق عن أن يسوع سيصبح "مخَلص اليهود", ولا حتى أنه ليكون المسيح المنتظر منذ فترة طويلة. لم يكن يسوع المسيح كالذي توقعه اليهود, لكنه كان مُخَلص العالَم. كانت مهمته لجميع الأجناس والشعوب, وليس لأي فئة واحدة.

122:4.3 (1347.5) لم يكن يوسف من خط سلالة الملك داود. كان لدى مريم سلفية داوُدية أكثر من يوسف. صحيح, أن يوسف ذهب إلى مدينة داود, بيت لحم, من أجل التسجيل للإحصاء الروماني, لكن ذلك يرجع لأنه, قبل ستة أجيال سابقة, كان جد آباء يوسف لذلك الجيل, كائن يتيم, قد تبناه واحد صادوق, الذي كان من النسل المباشر لداود؛ من ثم تم احتساب يوسف كذلك على أنه من "بيت داود".

122:4.4 (1347.6) معظم ما يُسمى تنبؤات عن المسيح في كتاب العهد القديم جُعلت لتنطبق على يسوع طويلاً بعد ان عاش حياته على الأرض. لقرون كان الأنبياء العبرانيون قد أعلنوا عن مجيء المُخَلص, وقد تم تأويل هذه الوعود من قِبل أجيال متعاقبة على أنها تشير إلى حاكم يهودي جديد الذي سيجلس على عرش داود, وبأساليب موسى العجائبية المشهورة, سوف يُباشر في ترسيخ اليهود في فلسطين كأمة قديرة, حرة من كل سيطرة أجنبية. مرة أخرى, العديد من الفقرات الرمزية الموجودة في كل أنحاء الكتب المقدسة العبرية أسيء تطبيقها لاحقًا على مهمة حياة يسوع. تم تحريف العديد من أقوال كتاب العهد القديم للغاية بحيث تبدو لتناسب حلقة ما من حياة السيد الأرضية. يسوع نفسه في أحد الأوقات نفى علانية أي صلة ببيت داود الملكي. حتى الفقرة, "فتاة ستلد ابناً", جُعلت بحيث تُقرأ, "عذراء ستلد ابناً". كان هذا صحيحاً أيضًا بالنسبة للعديد من سلاسل أنساب كل من يوسف ومريم التي تم إنشاؤها لاحقاً إلى مهمة ميخائيل على الأرض. تحتوي العديد من هذه الأنساب على الكثير من أجداد السيد, لكن بشكل عام ليست أصلية ولا يُعتمد عليها كحقيقة واقعية. غالباً ما استسلم أتباع يسوع الأوائل إلى إغراء جعل كل البيانات النبوية القديمة بحيث تبدو لتجد إستيفاءًا في حياة ربهم وسيدهم.

5. والدا يسوع الأرضيين

122:5.1 (1348.1) كان يوسف رجلاً دمث الأخلاق, حي الضمير للغاية, وبكل طريقة مُخلصًا للأعراف والممارسات الدينية لشعبه. تكلم قليلاً لكنه فَكَر كثيراً. سَببت المحنة المؤسفة للشعب اليهودي الكثير من الحزن ليوسف. كشاب, بين أشقائه وشقيقاته الثمانية, كان أكثر بهجة, لكن في السنوات المبكرة لحياته الزوجية (أثناء طفولة يسوع) كان عرضة لفترات من الإحباط الروحي المعتدل. تحسنت هذه المظاهر المزاجية بشكل كبير مباشرة قبل وفاته المبكرة, وبعد تحسن حالة عائلته الاقتصادية من خلال ترقيه من رتبة نجار إلى دور مقاول ناجح.

122:5.2 (1348.2) كان مزاج مريم تماماُ عكس ذلك لزوجها, كانت في العادة مبتهجة, ونادراً جداً ما تكون منكسرة الخاطر, وامتلكت مزاجاً دائم المرح. انغمست مريم في التعبير الحر والمتكرر عن مشاعرها العاطفية ولم تُلاحظ أبداً لتكون حزينة إلا بعد موت يوسف المفاجيء. وكانت بالكاد قد شفيت من هذه الصدمة عندما سقط عليها القلق والتساؤلات التي أثارتها المهمة غير العادية لإبنها البْكر, التي تكشفت بسرعة كبيرة أمام تحديقها المنذهل. لكن طوال هذه التجربة غير العادية كانت مريم هادئة, وشجاعة, وحكيمة إلى حد ما في علاقتها مع بكرها الغريب والمفهوم قليلاً وإخوته وأخواته الباقين على قيد الحياة.

122:5.3 (1348.3) استمد يسوع الكثير من لطفه غير العادي وفهمه الرائع المتعاطف للطبيعة البشرية من أبيه؛ ورث موهبته كمعَلم عظيم واستطاعته الهائلة على السخط الصالح من أُمه. في ردود أفعاله العاطفية تجاه بيئة حياته البالغة, كان يسوع عند وقت من الأوقات مثل أبيه, متأملاً وعابداً, يتسم أحيانًا بحزن ظاهر؛ لكن في كثير من الأحيان قاد إلى الأمام بأسلوب أُمه المتفائل وطبعها الحازم. بشكل عام, كان مزاج مريم يميل إلى السيطرة على مهمة هذا الابن الإلَهي بينما نشأ وتأرجح نحو الخطوات بالغة الأهمية لحياته البالغة. في بعض التفاصيل كان يسوع مزيجاً من سِمات والديه؛ في نواحٍ أخرى أظهر سمات أحدهم في تباين مع سمات الآخر.

122:5.4 (1348.4) من يوسف, حصل يسوع على تدريبه الصارم في أعراف الطقوس اليهودية وإلمامه غير العادي بالكتب المقدسة العبرية؛ من مريم استمد وجهة نظر أوسع للحياة الدينية ومفهوم أكثر ليبرالية للحرية الروحية الشخصية.

122:5.5 (1349.1) كانت عائلات كل من يوسف ومريم متعلمين جيداً لوقتهم. كان يوسف ومريم متعلمين أعلى بكثير من المتوسط ليومهما ومكانتهما في الحياة. هو كان مفكراً؛ هي كانت مخططة, خبيرة في التكيف وعملية في التنفيذ الفوري. كان يوسف أسمر ذا عيون سوداء, كانت مريم ذات عيون بنية ونوع أشقر تقريباً.

122:5.6 (1349.2) لو عاش يوسف, لكان قد أصبح بلا شك مؤمناً راسخاً في المهمة الإلهية لابنه البكر. تناوبت مريم بين الإيمان والشك, كونها متأثرة إلى حد كبير بالموقف الذي اتخذه أولادها الآخرين وأصدقائها وأقاربها, لكنها كانت دائماً ثابتة في موقفها النهائي بذكرى ظهور جبرائيل إليها مباشرة بعد أن تم حمل الطفل.

122:5.7 (1349.3) كانت مريم حياكة خبيرة وأكثر من متوسطة المهارة في معظم الفنون المنزلية لتلك الأيام؛ كانت ربة منزل جيدة ومدبرة منزل متفوقة. كان كل من يوسف ومريم معلمين جيدين وقد حرصوا على أن يكون أولادهم على دراية حسنة في تعليم تلك الأيام.

122:5.8 (1349.4) عندما كان يوسف شاباً, كان موظفاً من قِبل والد مريم في أعمال بناء إضافة لمنزله, وكان عندما أحضرت مريم إلى يوسف كوباً من الماء, أثناء وجبة الظهيرة, حينما بدأ فعلاً الغزل بين الاثنين اللذين كانا مقدّرين ليصبحا والدا يسوع.

122:5.9 (1349.5) تزوج يوسف ومريم, وفقاً للعادات اليهودية, في بيت مريم في ضواحي الناصرة عندما كان يوسف في الحادية والعشرين من عمره. هذا الزواج ختم تودداً عادياً دام لمدة عامين تقريبًا. بعد ذلك بوقت قصير انتقلا إلى منزلهما الجديد في الناصرة, الذي بناه يوسف بمساعدة اثنين من أشقائه. كان المنزل واقعاً بالقرب من سفح الأرض المرتفعة القريبة التي أشرفت بشكل ساحر على الريف المجاور. في هذا البيت, الذي تم إعداده خصيصاً, فَكَر هذان الأبوان الصغيران والمتوقعان في الترحيب بالطفل الموعود, مدركان قليلاً بأن هذا الحدث الهام للكون كان سوف يبان بينما هما غائبان عن البيت في بيت لحم في يهودا.

122:5.10 (1349.6) أصبح الجزء الأكبر من عائلة يوسف مؤمنين بتعاليم يسوع, لكن قلة قليلة من شعب مريم آمنوا به أبداً إلى أن رحل عن هذا العالَم, مالَ يوسف أكثر نحو المفهوم الروحي للمسيح المنتظر, لكن مريم وعائلتها, خاصة والدها, تمسكوا بفكرة المسيح كمُخَلص دنيوي وحاكم سياسي. كان أسلاف مريم منتمين بشكل بارز إلى النشاطات الماكابية في تلك الأوقات القريبة.

122:5.11 (1349.7) تمسك يوسف بعزم بوجهات النظر الشرقية, أو البابلية للدِين اليهودي؛ مالت مريم بقوة نحو التفسيرات الغربية, أو الهلنستية الأكثر تحرراً والأوسع نطاقاً للشريعة والأنبياء.

6. البيت عند الناصرة

122:6.1 (1349.8) لم يكن بيت يسوع بعيداً عن التل المرتفع في الجزء الشمالي من الناصرة, بعض المسافة من نبع القرية, الذي كان في القسم الشرقي من البلدة. سكنت عائلة يسوع في ضواحي المدينة, مما جعل من الأسهل له في وقت لاحق الإستمتاع بالنزهات المتكررة في الريف والقيام برحلات صعوداً إلى قمة هذا المرتفع القريب, الأعلى من كل تلال الجليل الجنوبي باستثناء سلسلة جبل طابور إلى الشرق وتل ناعين, التي كانت تقريباً بنفس الارتفاع. كان منزلهم يقع قليلاً إلى الجنوب والشرق من النتوء الجنوبي لهذا التل وفي منتصف الطريق تقريبًا بين قاعدة هذا المرتفع والطريق المؤدي من الناصرة باتجاه قانا. إلى جانب تسلق التل, كانت نزهة يسوع المفضلة هي تتبع ممر ضيق ملتف حول قاعدة التل في إتجاه شمالي شرقي إلى نقطة حيث وصلت الطريق إلى صفوريه.

122:6.2 (1350.1) كان بيت يوسف ومريم بناءً حجرياً من غرفة واحدة بسقف مسطح وبناء مجاور لإيواء الحيوانات. تألف الأثاث من طاولة حجرية منخفضة, وأواني فخارية وأطباق وقدور حجرية, ونول, وقنديل على عامود, وعدة كراسي صغيرة, وحصائر للنوم على الأرض الحجرية. في الفناء الخلفي, بالقرب من مُلحق الحيوانات, كان المأوى الذي غطى الفرن والمطحنة من أجل طحن الحبوب. تطلب الأمر شخصين لتشغيل هذا النوع من المطحنة, واحد للطحن والآخر لتلقيم الحبوب. كصبي صغير غالباً ما ألقم يسوع هذه المطحنة بالحبوب بينما أدارت أمه الطاحونة.

122:6.3 (1350.2) في السنوات اللاحقة, مع نمو حجم العائلة, كانوا جميعًا يجلسون القرفصاء حول الطاولة الحجرية المُكَبرة للإستمتاع بوجباتهم, متناولين الطعام من طبق, أو وعاء مشترَك. خلال فصل الشتاء, عند وجبة طعام المساء كانت الطاولة تُضاء بمصباح صغير مسطح من الطين, الذي كان يُملأ بزيت الزيتون. بعد ولادة مارثا, بنى يوسف إضافة لهذا المنزل, غرفة كبيرة, كانت تُستخدم كدكان نجارة أثناء النهار وكغرفة نوم عند الليل.

7. الرحلة إلى بيت لحم

122:7.1 (1350.3) في شهر آذار, 8 ق.م. (الشهر الذي تزوج فيه يوسف ومريم), أصدر أغسطس قيصر مرسومًا يقضي بضرورة تعداد جميع سكان الإمبراطورية الرومانية, بأنه يجب إجراء إحصاء يمكن استخدامه لفرض ضرائب أفضل. كان اليهود دائماً متحاملين بشكل كبير ضد أي محاولة "لإحصاء الشعب", وهذا, فيما يتعلق بالصعوبات المحلية الخطيرة التي واجهها هيرودس, ملك يهودا, قد تآمر لإحداث تأجيل في إجراء هذا الإحصاء في المملكة اليهودية لمدة عام. تم تسجيل هذا الإحصاء في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية في العام 8 ق.م., باستثناء مملكة هيرودس في فلسطين, حيث أُجري في عام 7 ق.م., بعد عام.

122:7.2 (1350.4) لم يكن من الضروري أن تذهب مريم إلى بيت لحم للتسجيل ــ كان يوسف مفوضًا بتسجيل عائلته ــ لكن مريم, كائنة شخصًا مغامرًا ومشاكساً, أصرَّت على مرافقته. خافت أن تُترك وحدها لئلا يولد الطفل بينما كان يوسف بعيداً, ومرة أخرى, نظراً لأن بيت لحم ليست بعيدة عن مدينة يهوذا, فقد تنبأت مريم بزيارة ممتعة محتملة مع نسيبتها أليصابات.

122:7.3 (1350.5) منع يوسف مريم فعلياً من مرافقته, لكن لم يكن ذلك مجديًا؛ عندما صُر الطعام لرحلة ثلاثة أو أربعة أيام, قامت بإعداد حصص مزدوجة واستعدت للرحلة. لكن قبل أن ينطلقا بالفعل, كان يوسف راضياً عن ذهاب مريم إلى جانبه, وببهجة تركا الناصرة عند فجر النهار.

122:7.4 (1350.6) كان يوسف ومريم فقيرين, وحيث كان لديهما دابة واحدة للحمل, فإن مريم, كائنة كبيرة بطفلها, ركبت على الحيوان مع المؤن بينما مشى يوسف, يقود الدابة. كان بناء المنزل وتأثيثه بمثابة استنزاف كبير ليوسف حيث كان عليه أن يساهم أيضاً بإعالة والديه, حيث أصبح أبوه عاجزاً مؤخرًا. وهكذا انطلق هذا الزوج اليهودي من بيتهما المتواضع في وقت مبكر من صباح 18 آب, عام 7 ق.م., على رحلتهما إلى بيت لحم.

122:7.5 (1351.1) حملهما يوم سفرهما الأول حول سفوح جبل الجلبوع, حيث خَّيما من أجل الليل بجانب نهر الأردن وانخرطا في العديد من التكهنات حول نوع الابن الذي سيولد إليهما, يوسف متمسك بمفهوم المعلم الروحي ومريم متمسكة بفكرة المسيح اليهودي, مخَلص الأمة العبرية.

122:7.6 (1351.2) مُشرقاً وباكراُ صباح 19آب, كان يوسف ومريم مجدداً على طريقهما. تناولا وجبتهما الظهرية عند سفح جبل صارتابا, المُشرف على وادي الأردن, وواصلا رحيلهما, واصلين أريحا من أجل الليل, حيث توقفا عند فندق بجانب الطريق العام في ضواحي المدينة. بعد وجبة طعام المساء وبعد نقاش طويل حول تعسف الحُكم الروماني, وهيرودس, والتعداد السكاني, والنفوذ النسبي لأورشليم والإسكندرية كمراكز للتعليم والثقافة اليهودية, رقد مسافرا الناصرة من أجل راحة الليل. في وقت مبكر من صباح 20 آب, استأنفا رحلتهما, واصلان أورشليم قبل الظهر, حيث زارا الهيكل, وذاهبان إلى وجهتهما, واصلان بيت لحم في منتصف العصر.

122:7.7 (1351.3) كان الفندق مزدحماً, وبناء عليه سعى يوسف للسكن مع أقارب بعيدين, لكن كل غرفة في بيت لحم كانت ممتلئة إلى الفيض. عند عودته إلى باحة الفندق, تم إبلاغه بأن إسطبلات القافلة, المنحوتة من جانب الصخر والواقعة تحت الفندق مباشرة, قد تم إخلاؤها من الحيوانات وتنظيفها لاستقبال النزلاء. تاركاً الحمار في الساحة, حمل يوسف على كتفه حقائبهما من الملابس والمؤن ونزل مع مريم الدرجات الحجرية إلى إقامتهما في الأسفل. وجدا أنفسهما فيما قد كان غرفة تخزين حبوب أمام الإسطبلات والمعالف. كانت ستائر خيمة معلقة, وحسبا أنفسهما محظوظين ليكون لديهما مثل هذا الركن المريح.

122:7.8 (1351.4) كان يوسف قد فَكَر في الخروج فوراً لكي يسجل, لكن مريم كانت متعبة؛ كانت تشعر بالأسى الشديد وطلبت منه البقاء بجانبها, وهو ما فعله.

8. ولادة يسوع

122:8.1 (1351.5) طوال تلك الليلة كانت مريم متململة بحيث أن أيا منهما لم ينام الكثير. بحلول فجر اليوم كانت طلقات الولادة واضحة, وعند الظهر, 21 من شهر آب, عام 7 ق.م., بمساعدة وإسعافات لطيفة من نساء زميلات مسافرات, كانت مريم قد ولدت طفلاً ذَكراً. وُلد يسوع الناصري في العالَم, لـُف في الثياب التي أحضرتها مريم معها لمثل هذا الطارئ المُحتمل, ووضع في مذود قريب.

122:8.2 (1351.6) تماماً بنفس الطريقة كما ولد جميع الأطفال قبل ومنذ ذلك اليوم نحو العالَم, وُلد الطفل الموعود؛ وفي اليوم الثامن, وفقًا للممارسة اليهودية, تم ختانه وسُمي رسمياً يشوع (يسوع).

122:8.3 (1351.7) في اليوم التالي بعد مولد يسوع, قام يوسف بتسجيله. ملتقياً رجلاً كان قد تحدث معه منذ ليلتين سابقتين في أريحا, هذا اصطحب يوسف إلى صديق ميسور له كان لديه غرفة في الفندق, والذي قال بأنه سيتبادل غرفته مع الزوج الناصري بكل سرور. بعد ظهر ذلك اليوم انتقلوا إلى الفندق, حيث عاشوا لحوالي ثلاثة أسابيع إلى أن وجدوا إقامة في بيت نسيب بعيد ليوسف.

122:8.4 (1351.8) في اليوم الثاني بعد ولادة يسوع, أرسلت مريم كلمة إلى أليصابات مفادها بأن ولدها قد جاء وتلقت كلمة بالمقابل تدعو يوسف للصعود إلى أورشليم للتحدث مع زكريا في كل شؤونهم. في الأسبوع التالي ذهب يوسف إلى أورشليم للتشاور مع زكريا. كان كل من زكريا وأليصابات قد أصبحا متملكين بالقناعة الصادقة بأن يسوع كان سيصبح بالفعل المخَلص اليهودي, المسيح, وبأن ابنهما يوحنا ليكون رئيس مساعديه, واليد اليمنى لرجُل القدر. وبما أن مريم تمسكت بنفس الأفكار, فلم يكن من الصعب إقناع يوسف بالبقاء في بيت لحم, مدينة داود, بحيث يمكن ليسوع أن ينمو ليصبح خليفة داود على عرش كل إسرائيل. تبعاً لذلك, ظلوا في بيت لحم لأكثر من سنة, يشتغل يوسف أثنائها عند تجارته في النجارة.

122:8.5 (1352.1) عند ظهيرة ولادة يسوع تجمعت سيرافيم يورانشيا, تحت إشراف مديراتها, وغنين أناشيد المجد فوق مذود بيت لحم, لكن تفوهات التسبيح هذه لم تُسمع بآذان البشر. لا رعاة ولا أي مخلوقات بشرية أخرى أتت لتكريم طفل بيت لحم حتى يوم وصول بعض الكهنة من أور, الذين أُرسلوا من قبل زكريا من أورشليم.

122:8.6 (1352.2) هؤلاء الكهنة من بلاد ما بين النهرين كانوا قد أُخبروا في وقت ما من قِبل معلم ديني غريب في بلادهم بأنه كان لديه حُلم أُبلغ فيه بأن "نور الحياة" كان على وشك الظهور على الأرض كطفل وبين اليهود. وإلى هناك ذهب هؤلاء المعلمون الثلاثة بحثاً عن "نور الحياة" هذا. بعد عدة أسابيع من البحث غير المجدي في أورشليم, كانوا على وشك الرجوع إلى أور عندما التقى بهم زكريا وأفشى اعتقاده بأن يسوع كان غرض بحثهم وأرسلهم إلى بيت لحم, حيث وجدوا الطفل وتركوا هداياهم مع مريم, أُمه الأرضية. كان الطفل يبلغ من العمر ثلاثة أسابيع تقريبًا عند وقت زيارتهم.

122:8.7 (1352.3) هؤلاء الرجال الحكماء لم يروا نجماً يرشدهم إلى بيت لحم. نشأت الأسطورة الجميلة عن نجم بيت لحم على هذا النحو: وُلد يسوع في 21 آب ظهراً, عام 7 ق.م. عند 29 أيار, عام 7 ق.م. حدث هناك التقاء غير عادي لزحل والمشتري في برج الحوت. وإنه واقع فلكي مذهل بأن التقاءات مشابهة حدثت عند 29 أيلول و5 كانون الأول من العام ذاته. على أساس هذه الأحداث الاستثنائية ولكن الطبيعية تماماً, قام الغيورون ذوي النوايا الحسنة من الأجيال اللاحقة ببناء الأسطورة الجذابة لنجم بيت لحم والمجوس العابدين الذين قادهم النجم إلى المذود, حيث شاهدوا وعبدوا الطفل المولود حديثاً. العقول الشرقية وقرب الشرقية تبتهج بالقصص الخيالية, وهم ينسجون باستمرار أساطير جميلة كهذه حول حياة قادتهم الدينيين وأبطالهم السياسيين. في غياب الطباعة, عندما تم نقل معظم المعرفة البشرية بكلمة الفم من جيل إلى آخر, كان من السهل جداً على الأساطير أن تصبح تقاليد وأن تصبح التقاليد في النهاية مقبولة كحقائق.

9. التقديم في الهيكل

122:9.1 (1352.4) كان موسى قد علـَّم اليهود بأن كل مولود بِكر هو ملك للرب, وبأنه, بدلاً من تضحيته كما كانت العادة بين الأمم الوثنية, مثل هذا الابن يمكنه العيش شرط أن يفتديه أبواه بدفع خمسة شواقل لأي كاهن مُعتمد. كان هناك أيضًا مرسوم موسوي يوجه بأن الأُم, بعد مرور فترة زمنية معينة, يجب أن تقدم نفسها (أو تدع أحد ما يقوم بالتضحية اللائقة من أجلها) في الهيكل من أجل التطهير. كان من المُعتاد أداء كِلا الطقسين في نفس الوقت. وفقًا لذلك, صعد يوسف ومريم شخصياً إلى الهيكل في أورشليم ليقـدما يسوع إلى الكهنة ولإجراء الفداء له وكذلك للقيام بالتضحية المناسبة لضمان تطهير مريم الطقسي من النجاسة المزعومة للولادة.

122:9.2 (1353.1) هناك حول أروقة المعبد كان يتوانى على الدوام شخصيتان مميزتان, شمعون المغني وحَنة الشاعرة. كان شمعون يهودياً, لكن حَنة كانت جليلية. كان هذا الزوج في كثير من الأحيان في رفقة بعضهما, وكِلاهما كانا صديقين حميمين للكاهن زكريا, الذي استأمن إليهما سر يوحنا ويسوع. كان كل من شمعون وحَنه يتوقان إلى مجيء المسيح, وثقتهما في زكريا قادتهما للاعتقاد بأن يسوع كان المخَلص المتوَقَع للشعب اليهودي.

122:9.3 (1353.2) عَرَف زكريا اليوم الذي كان من المتوقع أن يظهر فيه يوسف ومريم في المعبد مع يسوع, وكان قد رتب مسبقاً مع شمعون وحنه ليشير بتحية يده المرفوعة, أيهم في موكب الأطفال الأبكار كان يسوع.

122:9.4 (1353.3) لهذه المناسبة كانت حَنه قد كتبت قصيدة وشمعون تقدم ليغَنيها, مما أثار كثيراً دهشة يوسف ومريم, وجميع المتجمعين في أروقة الهيكل. وكان هذا نشيدهما لفداء الابن المولود البكر:

122:9.5 (1353.4) تبارك الرب إله إسرائيل,

122:9.6 (1353.5) لأنه زارنا وعمل فداء لشعبه؛

122:9.7 (1353.6) أقام قرن خلاص لأجلنا جميعاً

122:9.8 (1353.7) في منزل خادمه داود.

122:9.9 (1353.8) حتى كما تكلم بفم أنبيائه القديسين ــ

122:9.10 (1353.9) خلاص من أعدائنا ومن يد كل من يبغضنا؛

122:9.11 (1353.10) ليري رحمة إلى آبائنا, ويتذكر عهده المقدس ــ

122:9.12 (1353.11) اليمين الذي أقسمه لإبراهيم أبينا,

122:9.13 (1353.12) ليمنحنا بحيث, كائنين مُخلصين من يد أعدائنا,

122:9.14 (1353.13) يجب أن نخدمه دون خوف,

122:9.15 (1353.14) في قداسة وبِر أمامه كل أيامنا.

122:9.16 (1353.15) نعم, وأنت, أيها الولد الموعود, سوف تُدعى نبي الأعلى؛

122:9.17 (1353.16) لأنك ستذهب أمام وجه الرب لتؤسس ملكوته؛

122:9.18 (1353.17) لتعطي معرفة الخلاص لشعبه

122:9.19 (1353.18) في غفران لخطاياهم.

122:9.20 (1353.19) ابتهجوا برحمة الله السخية لأن فجر النهار من العُلى قد زارنا الآن

122:9.21 (1353.20) ليضيء على أولئك الذين يجلسون في الظلمة وظل الموت؛

122:9.22 (1353.21) ليرشد أقدامنا نحو طرق السلام.

122:9.23 (1353.22) والآن دع خادمك يرحل في سلام, أيها الرب, حسب كلمتك,

122:9.24 (1353.23) لأن عيناي قد رأت خلاصك,

122:9.25 (1353.24) الذي أعددته أمام وجه كل الشعوب؛

122:9.26 (1353.25) نور حتى من أجل إزاحة الستار عن الأمميين

122:9.27 (1353.26) ومجد شعبك إسرائيل.

122:9.28 (1353.27) في طريق العودة إلى بيت لحم, كان يوسف ومريم صامتين ــ مرتبكين ومضطربين. كانت مريم منزعجة كثيراً بتحية حَنه الوداعية, الشاعرة الهرِمة, ولم يكن يوسف في وئام مع هذا الجهد السابق لأوانه لجعل يسوع هو المسيح المنتظر للشعب اليهودي.

10. أعمال هيرودس

122:10.1 (1353.28) لكن مراقبو هيرودس لم يكونوا غير نشطين. عندما أبلغوه بزيارة كهنة أور إلى بيت لحم, استدعى هيرودس هؤلاء الكلدانيين للمثول أمامه. استفسر بجدية من أولئك الرجال الحكماء عن "ملك اليهود" الجديد, لكنهم لم يعطوه سوى القليل من الرضا, موضحين بأن الطفل قد وُلد لامرأة نزلت إلى بيت لحم مع زوجها من أجل تسجيل الإحصاء السكاني. هيرودس, ليس مكتفياً بهذه الإجابة, أرسلهم على الفور مع مال موجهاً بأنهم يجب أن يعثروا على الطفل بحيث هو أيضاً يمكنه أن يأتي ويعبده, لأنهم كانوا قد أعلنوا بأن مملكته كانت لتكون روحانية, وليست دنيوية. لكن عندما لم يرجع الرجال الحكماء, ارتاب هيرودس. بينما قلب هذه الأشياء في عقله, عاد مخبروه وقدموا تقريراً كاملاً عن الأحداث الأخيرة في الهيكل جالبين له نسخة من أجزاء من ترنيمة شمعون التي تم إنشادها في طقوس الفداء ليسوع. لكنهم فشلوا في تتبع يوسف ومريم, وكان هيرودس غاضباً جداً منهم عندما لم يتمكنوا من إخباره إلى أين اخذ الزوجان الطفل. عند ذلك أرسل الباحثين لإيجاد مكان يوسف ومريم. عالمين بأن هيرودس كان يطارد العائلة الناصرية, بقي زكريا وأليصابات بعيدين عن بيت لحم. أخفي الطفل الصبي مع أقرباء يوسف.

122:10.2 (1354.1) كان يوسف خائفاً من البحث عن عمل, وكانت مدخراتهم القليلة تختفي بسرعة. حتى في وقت طقوس التطهير عند الهيكل, اعتبر يوسف نفسه فقيراً بما فيه الكفاية ليبرر تقدمته لمريم فرخا يمام كما وَّجَه موسى من أجل تطهير الأمهات بين الفقراء.

122:10.3 (1354.2) عندما, بعد أكثر من سنة من البحث, لم يجد جواسيس هيرودس يسوع, وبسبب الريبة بأن الطفل لا يزال مُخبأً في بيت لحم, أعد أمراً ينص بإجراء تفتيش منهجي في كل منزل في بيت لحم, وبأن كل الأطفال الصبيان دون السنتين من العمر يجب أن يُقتلوا. بهذه الطريقة كان هيرودس يأمل في التأكد من إهلاك هذا الطفل الذي كان سيصبح "ملك اليهود". وهكذا هلك في يوم واحد ستة عشر طفلاً صبياً في بيت لحم يهودا. لكن الدسيسة والقتل, حتى في عائلته المباشرة, كانت أحداثًا شائعة في بلاط هيرودس.

122:10.4 (1354.3) حدثت مذبحة هؤلاء الأطفال حوالي منتصف تشرين الأول, عام 6 ق.م. عندما كان عمر يسوع أكثر من عام بقليل. لكن كان هناك مؤمنون بالمسيح الآتي حتى بين الملحقين في بلاط هيرودس, وواحد من هؤلاء, عالِم بأمر ذبح الأطفال الصبيان في بيت لحم, تواصل مع زكريا الذي أرسل بدوره رسولاً إلى يوسف؛ وفي الليلة التي سبقت المذبحة رحل يوسف ومريم من بيت لحم مع الطفل إلى الإسكندرية في مصر. من أجل تجنب لفت الانتباه, سافرا وحدهما إلى مصر مع يسوع. ذهبوا إلى الإسكندرية بتمويل من زكريا, وهناك عمل يوسف في حِرفته بينما أقامت مريم ويسوع مع أقارب ميسورين لعائلة يوسف. مكثوا في الإسكندرية لمدة عامين كاملين, ولم يعودوا إلى بيت لحم إلا بعد موت هيرودس.

Foundation Info

نص سهل الطباعةنص سهل الطباعة

Urantia Foundation, 533 W. Diversey Parkway, Chicago, IL 60614, USA
تليفون: +1-773-525-3319; فاكس: +1-773-525-7739
© Urantia Foundation. كل الحقوق محفوظة